مانشستر و النادلة!

مانشستر و النادلة!

هذه التدوينة في قسم: موليكيلو يسولف September 14th, 2008

Audio clip: Adobe Flash Player (version 9 or above) is required to play this audio clip. Download the latest version here.

أخرجت كتابا من مكتبتي اليوم، و على عجل رحت أقلب الصفحات باحثا عن معلومة أود توثقيها في بحثٍ أكاديمي أعمل عليه مؤخرا، و بين الصفحات وجدت بطاقة و ورقة صفراء..
لم استغرق وقتا طويلا حتى تذكرت مناسبة البطاقة و الورقة!

قبل سنة و يومين بالضبط، كنت في مدينة مانشستر لإلقاء محاضرة في مؤتمر أكاديمي تنظمه جامعة مانشستر (بالمناسبة: هل تعرفون أنه في هذا الجامعة تم اختراع الـ “كومبيوتر”!؟)..

أذكر جيدا أني ألقيت محاضرتي في اليوم الأخير. و بعد أن جهزت حقائبي خرجت من الفندق في الظهيرة في محاولة لقتل الوقت الطويل قبل موعد القطار الذي سيقلني إلى لندن في المساء. رفضت الحاح بعض الأصدقاء في مانشستر و ليدز و هاروغيت بأن نلتقي، كنت ولا أعرف لماذا أرغب بقضاء هذه الساعات بمفردي. خصوصا و أني كنت – و ما أزال – أحب وسط مدينة مانشستر ابتداءا من المكتبة الضخمة وصولا إلى الزقاق الضيق الذي يحوي دكانا صغيرا للسيجار الفاخر و انتهاءا بعجلة مانشستر الشهيرة في وسط مراكز التسوق.


الساعة الشهيرة وسط مانشستر، بعدستي.

و بعد نزهة “كعّابية” استغرقت قرابة الساعتين (بمعية صديقي الآي-بود و صديقتي الكاميرا و برفقة حقيبتي العزيزة و مظلتي الغالية)، ذهبت إلى مركز ترفيه معروف يدعى الـ تراينغل أو المثلث. كنت أبحث عن مطعم أتناول فيه وجبة الغداء قبل أن أذهب إلى السينما حيث كنت أتوق يومها لمشاهدة فيلم The Bourne Ultimatum..
وجدت مطعما واسعا، لكنه كان شبه خالي، و هذا أمر معتاد في انجلترا، فالمطاعم لا تكتظ إلا في مواعيد الوجبات..
بعد أن قمت بنفض مظلتي المبتلة، جلست بقرب النافذة كما أحبذ دائما..

ماهي إلا لحظات حتى جاءت نادلة جميلة، و بادرتني بالسؤال: هل ستتناول الغداء بمفردك؟.. فأجبتها: نعم!
ارتسمت على ثغرها ابتسامة رقيقة قبل أن تمازحني: إذاً سأتناول غدائي معك!
قلت لها و أنا أخرج كتابا من حقيبتي: أجل.. لم لا؟ سيسعدني ذلك..
سجَّلت طلبي في مذكرتها الصغيرة و قالت و هي تغادر: سأعود حالآ و معي ما طلبت.

قمت بتصفح كتابي و تدوين بعض الملاحظات أثناء انتظار الطعام، و خلال دقائق جاءت النادلة لتضع المشروب الغازي على الطاولة، كنت مستغرقا في القراءة حينها، لكن حين لمحتها تهم بالذهاب بادرتها بالقول:
– اجلسي قليلا ان كنتي ترغبين في ذلك.. فأنا لا امانع!
– أود ذلك.. لكن..
– لكن ماذا؟ .. المطعم شبه خالي!
– في الحقيقة أشعر بالخجل.. أشعر و كأني فرضت نفسي عليك.. أتصرف اليوم بشكل غريب.. كان يوما صعبا..
– ما هذا الكلام.. و بالمناسبة، لا تغتري كثيرا بالكتاب الذي بيدي.. فانا لست أقرأه.. أنا أتفرج على الصور فقط! :mrgreen:

ضَحِكت بصوت مرتفع قبل ان تتمالك نفسها.. فسحبتُ لها الكرسي الذي أمامي و طلبت منها الجلوس.. و بمجرد جلوسها سألتني:
– اذاً انت تعزف على الغيتار؟
– أنا؟ .. كيف عرفتِ؟
– أظافر يدك اليمنى طويلة، بينما أظافر يدك اليسرى قصيرة جدا!
– اها!
– أنا ايضا أعزف على الغيتار.. لكني مازلت مبتدئة..
– ممتاز، أنا كذلك… لا أعتبر نفسي محترفا، على الرغم من أني بدأت بالعزف منذ أن كان عمري 15 عاما.. لكن وقتي و ظروفي لا يسمحان لي بالتدرب كثيرا..
– هل تعمل أم تدرس؟
– أدرس.
– هل تستمتع بالدراسة؟
– لا.. هل يستمتع أحد بالدراسة!
– و ماذا تدرس؟
– دكتوراة في علوم الحاسب!
- يبدو هذا معقدا جدا بالنسبة لي..
– و بالنسبة لي أيضا! :mrgreen:
– أنت خفيف الظل.. لم ألمح هذا فيك عند دخولك.. هل تسكن في مانشستر؟
– لا، أنا من سكان لندن.
– اها، هذا يفسر لهجتك المتغطرسة! :mrgreen:

ضحكت على مزحتها، فكثيرا ما أسمع كلاما مشابه من سكان شمال انجلترا.. لكن بعد ذلك خيم صمت مفاجىء..
كنت أحاول قراءة كلام كان من الواضح انه يتلاطم في عينيها و هي تنظر إلي، لكني فشلت..
ولأكسر جو الصمت المربك.. سألتها:
– يبدو أن المطر اشتد؟ .. أتمنى أن يتحسن الجو قبل أن أذهب إلى محطة القطار بعد نحو 3 ساعات من الآن..
– ستعود اليوم؟
– أجل.. :)
– لِمَ انت وحيد اليوم؟
– ببساطة.. توأم روحي التي لا تفارقني.. في لندن!
– اها.. اذا انت تفتقدها الآن؟
– بعنف!
– اها..
– هل أنتِ مرتبطه؟
أجابت بحزن يكسو ملامحها الناعمة: لا..

خيم الصمت مرة أخرى.. قبل أن يكسره رنين الجرس من المطبخ معلنا انتهاء اعداد الطعام.. فقامت بسرعه من على الكرسي و هي تحاول رسم ابتسامتها الرقيقة مرة أخرى، و قالت: سأذهب لإحضار طعامك حالا..
عادت خلال ثواني قليلة و هي تحمل أطباق كثيرة من الطعام و قالت مازحة:
– لا أظنك ستأكل كل هذا!
– لا، لن أفعل، لكني أحب أن أنوّع في الأطباق، و قائمتكم تبدو شهية.. :)
– !Bon appétit :)
– شكرا.. بالمناسبة هل انتي سعيدة بالعمل هنا؟
– أجل، المكان جميل كما ترى، و الأجر جيد، و الزبائن هم من الحاصلين على شهادات علمية عليا! :wink:
– !Bon mot :mrgreen:

ضَحِكت قبل أن تشكرني على اللحظات التي تحدثنا فيها، و أخبرتني بأنها ستغادر المطعم الآن لأن فترة عملها الصباحية انتهت.. فأبلغتها انها على الرحب و السعة..

أطرقت طويلا أثناء الأكل، متسائلا عن سر الكلام الذي كان في عيني النادلة، و هل كانت تنوي ان تحدثني عن مشاكل يومها الذي كانت تقول أنه كان صعبا.. أم أنها تريد فقط أن تقضي بعض اللحظات بعيدا عن جو العمل؟.. و في خضم التفكير، رفعت رأسي لأشاهد أغنية مصورة تُعرض على الشاشات الكبيرة في زوايا المطعم.. الأغنية هي أغنية معروفة تدعى You had a bad day لدانيال بوتر.. لكني كنت أشاهدها مصّورة للمرة الأولى:

أعجبني تصوير الأغنية كثيرا، و أثار داخلي مئات التساؤلات و الأفكار..
هل كان عرض الأغنية في تلك اللحظة مصادفة عجيبة.. أم اشارة من السماء..؟!!
كيف تكون هذه النادلة الجميلة وحيدة من غير ارتباط؟ .. من المؤكد أن هناك الكثير ممن يتوقون للإرتباط بمثلها، لكن أين هم؟ .. سؤال محير.. إجابته برأيي: القدَر!

أنا مؤمن تماما بمبدأ قد يبدو “ساذجا”.. و هو أن الله خلق لكل ذكر أنثى هي بمثابة توأم روحه، تفهمه و تكمله و ترضي ذوقه و تحبه أكثر من أي انسان في العالم.. (و العكس صحيح)
لكن هذا الزوج المكمل لبعضه.. قد لا ينتبه ذكره لأنثاه، أو لا تشعر أنثاه بذكره حين يلتقيان.. أو ربما لا يلتقيان مطلقا..!!
و قد يكون أنسب الأشخاص لنا، توائم أرواحنا، قريبون منا جدا.. دون أن نراهم!

لا أعرف لماذا حينها، أخرجت قلما و كتبت كلمات على ورقة صفراء، ثم وضعت الورقة مع بطاقة حضور المؤتمر داخل الكتاب و وضعته في حقيبتي..
طلبت الحساب.. فجاءتني نادلة أخرى.. وضعتُ النقود على الطاولة و مضيت..

عدت إلى مانشستر غير مره بعد ذلك.. لكني لم أشاهد النادلة مرة أخرى..
هل وجدَت من كان تبحث عنه؟ .. هل وجدها؟ .. لا أعرف..

انتهى.
موليكيلو،

…………………………………………………..

دقيقه.. ابفك الطقاق.. :mrgreen:
>> أجل أطرقت طويلا و غير مره؟ :mrgreen:
<< أها بس! :mrgreen:

شوكرن :)

_______________________________



  

Responses to “مانشستر و النادلة!”

  1. be7ar
  2. sahab
  3. sweetheart
  4. S.A.L.M.A.N
  5. sweetheart
  6. tofe
  7. Reem
  8. SKY
  9. NANO
  10. NORA
  11. NOLY
  12. ToLh
  13. lady-11
  14. Bnt daddy
  15. bloom
  16. Nori
  17. straker turkman

Trackbacks

  1. ظ…ظˆظ„ظٹظƒظٹظ„ظˆ.. ظ…ظˆ ظ„ظٹ ظƒظٹظ„ظˆ! | ظ…ط¬ظ„ط© ط¯ظٹظˆط§ظ†

ورى ما تسدح تعليق؟ .. ترى ببلاش..

معليش يا عزتي لك.. لازم تسجل دخولك عشان يمديك تسدح تعليقات.